زكرياء للثقافة العامة زكرياء للثقافة العامة

الكرة للجمهور


الكرة للجمهور....


لايختلف اثنان على كون كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في العالم. 
.
اخترعت هذه الرياضة للترويح عن النفس من ضغوطات الحياة ، بحيث يجمع الباحثون و المؤرخون أنها رأت النور بالمملكة المتحدة سنة 1863 وهي تلعب من أجل المتعة أساساً ، وبغض النظر عن الخلفيات و السياقات التي أطرت ظهور هذه اللعبة ، إلا أنها ظلت المتنفس الوحيد للجمهور الذي كان في الأول منحصراً في فئة "البروليتاريا" ، هذا الجمهور الذي همه الوحيد هو مشاهدة مباراة تتألف من 22 لاعباً مدتها الزمنية في الغالب 90 دقيقة، يقوم بإدارتها 3 حكام و تتخللها العديد من الطقوس و الحيثيات... أصبح  شاهداً _الجمهور_  على تطور الكرة عبر الأجيال مع اختلاف الخصائص المتعلقة بكل قارة أو بالأحرى كل دولة .
هناك أمثلة عن مناطق في العالم تطورت فيها كرة القدم لتتحول من مجرد لعبة أو رياضة، لتصبح مورداً اقتصادياً مهماً "إسبانيا كنموذج"  . أما النموذج الثاني فهو المناطق التي تحولت فيها كرة القدم من العشب الأخضر إلى دهاليز التسييس و السياسة "مصر كنموذج" . 
أما المثال الأخير والممتع سيقودنا إلى  أمريكا اللاتينية ، التي احتفظت بالغاية من الساحرة المستديرة ألا وهي توفير المتعة للجمهور بعيداً عن دواليب السياسة و مضاربات الإقتصاد ، واكتفت بتطوير المستوى التقني و البدني للاعبين و الدليل على ذلك هو أن أفضل اللاعبين المعاصرين أو الأساطير التي خلدت أسماءها في أنصع صفحات تاريخ الكرة هم من أصول لاتينية ؛ "مارادونا،بيليه،سيميوني،رونالدو،كاكا،ريڤالدو...."
       بعد أن انتهت مرحلة الدكتاتور "الجنرال فرانكو" الذي كان باسطاً ذراعيه بالوصيد على الرياضة بإسبانيا عامة و فريق ريال مدريد خاصة ، جاءت المرحلة المفصلية في تاريخ إسبانيا و كرة القدم بها ، الحديث هنا عن تنظيم نهائيات كأس العالم بإسبانيا سنة 1982 ، هذه الفعالية التي نقلت إسبانيا من دولة سائرة في طريق النمو إلى دولة قوية ، من خلال العائدات المالية المهمة التي حصلتها . و من هنا جاءت الإستثمار في اللعبة _كرة القدم_ وتحويلها إلى منبع للأموال ، و يظهر هذا جلياً من خلال قطبي كرة القدم العالمية ريال مدريد و برشلونة ،إذ تفوق ميزانية الفريقين اقتصاد العديد من الدول في العالم ، و يقوم الفريقان باستثمارات و عمليات بيع و شراء لاعبين و إشهارات بملايير الدولارات ، و يسير في هذا النهج معظم فرق أوروبا إذ رغم الآداء الفني الراقي لكرة القدم الأوروبية ، إلا أن لغة الإقتصاد و الأموال و الأرقام هي التي تطغى ، رغم ظهور تيارات مناهضة  لهذه الممارسات بإيطاليا أطرها منذ الثمانينات أفراد "الألتراس" بعنوان "contro il calcio moderno" ، بمعنى ضد كرة القدم الحديثة التي تدخل الرأسمالية المتوحشة في صناعتها و هو ما يتعارض مع الغاية من لعبة كرة القدم (حسب الألتراس) . 

 سننتقل من ثنائية كرة القدم _ اقتصاد ، لنسطدم بالسياسة ، فمزبلة التاريخ لازالت تدون كيف سرق الدكتاتور الفاشي "بينيتو موسوليني" تنظيم كأس العالم من السويد بتوظيفه لأساليبه التهديدية ، وقام بالإشراف على المسائل التنظيمية لكأس العالم بإيطاليا سنة 1934، لتلميع صورته أمام العالم، كما أنه قام بتقسيم المجموعات على مزاجه وتعيين الحكام كذلك ليمهد الطريق نحو تتويج بلده إيطاليا لأول مرة بكأس العالم ، بالإضافة إلى استغلال "أدولف هتلر" و الجنرال "فرانكو" كرة القدم ، الأول لتمرير خطابه الفاشي بملعب لكرة القدم ، و الثاني مستغلاً سلطته و نفوذه للتأثير على خصوم ريال مدريد و المنتخب الإسباني ، و العديد من أمثال هذه الحوادث يلزمنا تأليف مجلد لتدوينها ، إلا أننا و احتراماً لمبدأ القرب سنعالج موضوع كرة القدم المصرية إبان الربيع العربي ، فبعد سقوط نظام حسني مبارك وصعود الجيش للسلطة ، تزايد قلق "العسكر" لاسيم أن من ساهم  في إسقاط نظام مبارك هم  جمهور كرة القدم ،  خاصة مشجعي الأهلي و الزمالك من خلال تواجدهم بميدان التحرير ، وتأطيرهم للمتظاهرين مرددين هتافات و أهازيج فصيل "التراس أهلاوي" و فصيل "وايت نايت" .
و للتخلص من هذه الجماهير التي تجلب المتاعب _حسب الجيش الذي أحكم قبضته على السلطة_ يجب أولاً تشويه صورتهم لدى الرأي العام بتوظيف الآلة الإعلامية العميلة ، وثانيا محاربتهم أو إشعال فتيل النزاع بينهم مستغلين تعلق الشعب المصري بكرة القدم.
نسج النظام العسكري المصري خطة خبيثة ليوقع بالجماهير ، بتواطؤ مع المشير "طنطاوي" رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، و الحاكم العسكري لمدينة بورسعيد "عادل الغضبان" ، بالإضافة مدير أمن بورسعيد "عصام سمك"...، الذين قامو باستقدام "بلطجية" و "مرتزقة" و خارجين عن القانون  ، لمباراة في كرة القدم جمعت بين الأهلي المصري و المصري البورسعيدي على "استاد بورسعيد" ، وقامو أيضاً بشحن جماهير البورسعيدي باستعمال الأبواق الإعلامية التابعة للنظام ، بالإضافة إلى إقحام العناصر السالفة الذكر من "بلطجية" و خارجين عن القانون ضمن جماهير فريق "المصري البورسعيدي" ، و فور انتهاء المقابلة تفاجئ الجميع بهجوم عنيف على جمهور الأهلي ، زيادة على انسحاب الأمن المتواجد في منطقة جلوس جماهير الأهلي ، أما الطامة الكبرى فهي الإقفال المتعمد للبوابة الرئيسية لخروج المشجعين...الحصيلة كانت مفجعة ، مقتل 74 مناصراً للأهلي وإصابة المئات فيما عرف إعلامياً ب "مجزرة بورسعيد".
    وبعدها ب 3 سنوات ، سيناريو مماثل سيقع في فخه هذه المرة مشجعو "الزمالك المصري" ، حينما أغلق رجال الأمن ممراً حديدياً مخصصاً للجمهور بملعب "الدفاع الجوي" ، و أطلقوا أعيرة نارية "خرطوش" بشكل عشوائي على الجمهور الأعزل بتواطؤ و تزكيةٍ من البرلماني المصري و رئيس نادي الزمالك ، الجلاد "مرتضى منصور" ، و بلغ عدد القتلى في هذا الحادث 20 مشجعاً "زملكاوياً" فيما سمي ب "ممر الموت" .
أما المقاربة القانونية التي تبناها النظام المصري تجاه الجمهور ، كانت على الشكل التالي :سن ترسانة من القوانين تقيد التشجيع ، وتحمل في طياتها تهمة الإرهاب و الإنتماء لمنظمة إرهابية لكل فرد. لكن لكرة القدم في أمريكا الاتينية نكهة  وطعم خاص ، فالساحرة المستديرة هناك ليست مجرد لعبة  إنها أكسيجين ، وقود الحياة و رئة المجتمع اللاتيني ، فخصوصية تلك المنطقة و نمط عيش سكانها يجعل من كرة القدم أسلوب حياة ، وهو إحساس قديم لم يتغير مع تعاقب السنوات ، إذ لا تزال كرة القدم اللاتينية تحتفظ بأبرز سماتها ألا وهي المتعة ، و الدليل على هذا هو شغف الجماهير بفرقهم و إحساسهم بالفخر أثناء مزاولة طقوسهم الخاصة في التشجيع من ريو دي جانيرو إلى بوينيس أيرس ، مروراً بكراكاس و أسونسيون و سانتياغو وصولاً إلى مونتيڤيديو... حيث هنالك وُلِِد و ترعرع أمهر و أحسن من لمسوا الكرة ، جحافلة المراوغات و صناددة التسديدات و تقنيو التمريرات ، بيليه _ كاكا_ سيميوني _ مارادونا _ ميسي _ روبينهو.... و القائمة طويلة.
فلا صوت يعلو فوق صوت حناجر المشجعين الذين تجلبهم المتعة ، الشغف ، حب الفريق ، التشجيع دون انقطاع و الأهازيج الممزوجة بنفحات اليسار ، ذلك التيار الأيديولوجي الذي كان سائداً ذات يوم في جل ربوع القارة. 


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

زكرياء للثقافة العامة

2016